يا غريبَ الدَّارِ ..تَمَهَّلْ ! وأنتَ تَمضي مغموماً مهموماً بين تضاريسِ الحياة المقفرةِ .. وقد أَجْهَدَكَ كل ما فيها من مصائب ونوائب ونازلات ..شَتَّتَتْ فكرك المرهق.. بين النجاةِ منها أوالمماة.. وَيْكَأَنَّهُ الصراعُ الأبديُّ  بين الخير والشر ..ويكأنه استقر ها هنا في مضغة القلب..لتنزوي أنتَ وتتقوقعَ  داخل بوتقة العجز والفشل..

فلا تجلد ذاتكَ بشدة..وتفكر..!
يا غريبَ الدَّارِ .. إنَّ في كل يومٍ.. هناكَ نَفَسُ صُبْحٍ جديٍد..يدفع عنك عَسْعَسَةَ الليل..فلا تهن ولا تتباطئ ولاتتعلل ..فأنا أَرَاكَ وقد أَدْمَنْتَ إجترارَ مرارة الألم ..وفقدان الأمل..

فما فَقْرُكَ الذي يحوطك من كُلِّ جانب، نقصٌ يثنيكَ عن طلبَ العون..ولا غِنَاكَ الذي تَتَبَجَّحُ به يكفيكَ عن ما في خزائنِ مَالكِ الملكِ والكون..
اعلم أن كل فِكْرٍ في ذهنكَ ما هو إلا ذبذبات تذهبُ  بكَ بعيداً لتسبحَ في الكون الفسيح.. ثم تعودُ إليك ..فلا تَجعلها أفكاراً شريدةً.. بائسةً ..غريبةً ..ناشزةً ..عن طاقاتِ الكونِ الإيجابية ..اعلم أَنَّ كل هذا الوهن وهذا الإحباط..هو لا شئ .. لا شئَ .. بتاتاً..أمامَ قدرةِ الخالق..
فيا غَرِيبَ الدَّار.. ما لكَ لا تطلبُ مِنْ صَاحِبِ الدَّار؟
مَا لَكَ لَا تَسْألهُ؟
فَإِنْ كنتَ مغموماً فاقصدِ الله..
وإنْ كنتَ مظلوماً فاسعن بالقوِي..
وإن كنتَ محتاجاً فاطلب منَ الغَني..المُعطي..
وإن كنتَ مريضًا فاسألِ الشَّافِي..المُعافي..
وإن تعاظمتْ ذنوبكَ فاستعن بالعَفو..الغَفور..
وإن ساءت حالكَ فأسألهُ أن يغيَر كُلَّ ذلكَ السُّوء بحسنِ حالهِ..
يا غَرِيبَ الدَّار ارفع..راحتيكَ..وافتح فؤادكَ.. واصدقه يصدقك.. فأنتَ على بابِ الكريم..ثم اسألهُ..واسألهُ ..فهو عظيم..وَهُوَ يستحي أن يردكَ خائباً..
إقرع البابَ برفقٍ وإلحاح..وجمل قلبكَ بمعاني الحُسن والرجاء..وحرك شفتيكَ بعباراتِ الخضوع والإنحناء..لعل ذاكَ الدعاء يصعدُ كالسهم إلى السماء..
تَطَهَّر من الشوائبِ التي علقت على أديم روحكَ..ولا تتعجل.. فقريباً سيفتحُ الباب..!
فإن منعتَ شيئاً ..فلا تبتئس ولا تحزن .. فلستَ وحدكَ المُبتلى الذي أفناهُ البحث عن جنةِ الدنيا ..لاهثاً ورائها يخشى أن يقضمه الفشل..ليرميهُ هناك ..على هامش دَيَاجِيرِ العمر.. لستَ وحدكَ من جَفَّ لهُ نبعُ المآقي.. ولستَ وحدكَ من بلغت نفسهُ التَّرَاقِي.. من نصبِ الحياة..فانفرطَ عقدُ الصَّبْرِ لديه ..وانفلتت منهُ حباتُ الأَحلامِ والآمال..!
فلستَ وحدكَ من تأخر زواجهُ..أو كان عقيماً.. أو أفلتَ منه المنصبُ المرموق الذي لطالما تأمله!..لستَ وحدكَ أبداً.. المكروبُ في هذا الكون الفسيح ..!
فلا تتخبط كثيراً في بحارِ بُؤْسك..! ربما ماكان ذلك لك..ربما كان ما ترجوهُ ..هو عدوٌّ لك ..وسيبعدكَ عن طريقكَ الصحيح..وستكون إن نلتُه.. أكثرغمّاً من غمكَ الآن ..!
فأنتَ تعلم ..وقلبكَ يعلم..أن في الدُّعاء سِرٌّ..يتسلل إليك كلما أكثرتَ منه..فلاَ تهمله..!
أنتَ تعلم أن لطُفه يشملكَ في كل حين..وأنه رَبٌّ رحيم يتدبرُ أمرك..ويرعاك.. فتمهل وأنتَ تطلب .. تمهل وأنت تنتظر ..تمهل وأنت تعيي حقيقةَ الأسرار..ثم رَطب قلبكَ بدموعِ الإنكسار..واهمس له دائماً وأبداً يا رب!
يَا غَرِيبَ الدَّار..سل تُعطى ..
فهو يسمعُ كلامكَ.. ويرى مكانكَ.. ويعلمُ حالك..ولا تلتبِسُ عليهِ الألسن..ولا تختلطُ عليه اللُّغات..ولا ترهقهُ كثرة الحاجات..ولا يشغلهُ أحدٌ عن أحد..فله الحمدُ عز وجل ..وهو القائلُ للشئ كن فيكون..
فلا تبتئس..ولا تقنط..وأنتَ تسيرُ في رمضاءِ هذه الحياة ..
فتش بين ثنايا قلبكَ عن صاحبِ الدَّار.. وسلم فؤادكَ له ..ليملأهُ لكَ بعظيمِ العطايا..عطايا الإطمئنانِ والرِّضا ..الذي يظللُ روحك العطشى..
الهائمة في البيداء ..وتذكر أنك لستَ وحدكَ ..وأنك ممن أحصاهم وعدهم عدا..وأنك آتيه يومَ القيامةِ فردا..فتعلق بالكريم..الرحيم.. حتى لا تكون أبداً وحدكَ..عند السؤال..وهول تلك الأحوال..لتنعمَ في الأخير براحة  البال..